تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
العدل من القيم العظمى في كل الثقافات والأديان، وقد عظم الإسلام من شأن العدل وحذر بالغ التحذير من الظلم ولهذا سنتدارس عبر موقع maqall.net تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.
محتويات المقال
آية وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
- قال الله عز وجل “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إلى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا” النساء 58.
- وهذه الآية هي آية من سورة النساء تقع في الجزء الخامس من القرآن الكريم وهي من السور المدنية التي فيها تشريع وأحكام.
ومن هنا يمكنكم التعرف على: تفسير وسبب نزول: لا إكراه في الدين
سبب نزول آية: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
- من الأسباب التي تعيننا على فهم تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل معرفة سبب نزولها.
- حيث أنها نزلت في أحد الصحابة وهو الصحابي الجليل عثمان بن طلحة الحجبي وهو من قوم عبد الدار.
- وقد نزلت هذه الآية فيه قبل إسلامه وكانت هي سبب دخوله في الإسلام حيث أنه كان يعمل سادنًا للكعبة.
- ولما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة يوم فتحها قام عثمان رضي الله عنه بغلق باب الكعبة ورفض إدخال أحد إليها.
- حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم طلب المفتاح منه بنفسه فرفض إعطاءه إياه لأنه لم يكن يؤمن بأنه رسول الله وقتها.
- فقام على ابن أبي طالب وأخذ المفتاح من عثمان القوة وقام بفتح الباب لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
- ثم دخل الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى فيه وعندها جاء إليه العباس يريد أخذ المفتاح ليصير ساقيا وسادنا.
- فرفض رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك بسبب نزول هذه الآية عليه بل أمر علي ابن أبي طالب أن يعيد المفتاح إلى عثمان.
- بالإضافة إلى أنه أمره أن يعتذر إليه أيضاً وكل هذا تعظيما لحقه وعملا بالآية الكريمة.
- فلما رأى عثمان ذلك ما وسعه إلا الإيمان بهذا الدين العظيم وهذا الرسول العادل صلى الله عليه وسلم.
مناسبة وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لما قبلها
- ذكر الله عز وجل قبل هذه الآية آيتين فيهما حديث عن أهل النار وأهل الجنة وما أعد فيهما لأهلهما.
- حيث قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا *
- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا” النساء 56-57.
- فذكر الله عز وجل النار بعذابها ثم الجنة بنعيمها ترهيبا ثم ترغيبا لما سيأتي من أمر في الآية التالية.
- وكأن الله عز وجل يذكر العبد المسلم بما سيعد له إن هو عمل بالآية وأدى حقها وما سيعد له إن عصى وعاند.
- وذلك من أعظم ما يحرك النفس للعمل وترك الكسل ومكابدة المشاق في سبيل طاعة الله عز وجل.
تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
- قال تعالى “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها” وفيها الأمر برد الأمانات إلى أصحابها.
- والأمانة هي ما يودعه شخص عند آخر ليحفظه له ثم يرده إليه وأداء الأمانة واجب عيني لا يسقط أبدًا.
- كما أن الأمانة تعد واجباً على الشخص تجاه نفسه ليبرئها من إثم التضييع وليأتي يوم القيامة ليس عليه شيء لأحد.
- ثم جاء في تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل الأمر بالعدل في الحكم لمن كان حاكما على الناس.
- وفي قوله “وإذا حكمتم” دلالة أنه ليس كل الناس تقع عليهم هذه المسئولية لكن إذا وقعت فيجب العدل.
- ثم قال تعالى “إن الله نعما يعظكم به” أي أن أفضل واعظ لأهل الإيمان هي آيات القرآن التي ينزلها الله تبارك وتعالى فتهدي الناس.
- ثم قال “إن الله كان سميعا بصيرا” أي أن الله عز وجل يسمع ما تبيتون من القول بل ويعلم النيات فمن عزم على تضييع الأمانة عوقب.
- وكذلك فهو البصير الذي يرى من عدل ويرى من ظلم ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا:
- المعنى: الله سبحانه وتعالى يأمر المؤمنين بأداء الأمانات إلى أصحابها. والأمانات تشمل كل ما يُؤتمن عليه الإنسان من أموال أو حقوق أو أسرار أو أي شيء آخر. يجب على الإنسان أن يحافظ على الأمانة وأن يؤديها إلى صاحبها دون نقص أو تأخير.
وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ:
- المعنى: يأمر الله سبحانه وتعالى بالعدل في الحكم بين الناس. وهذا يشمل القضاة وكل من له سلطة اتخاذ القرارات. العدل هو الأساس في الإسلام، ويجب أن يكون الحكم بناءً على الحق دون تحيز أو ظلم لأي طرف.
إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ:
- المعنى: إن الله يأمركم بما فيه الخير والنفع لكم في الدنيا والآخرة. فهو يأمركم بأداء الأمانة والحكم بالعدل، وهذا من أعظم ما يُعظ به الإنسان.
إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا:
- المعنى: الله تعالى يسمع كل ما تقوله ويبصر كل ما تفعله، فلا يخفى عليه شيء من أعمالكم أو أقوالكم. وبالتالي، يجب على الإنسان أن يكون حذرًا في أفعاله وأقواله وأن يلتزم بأوامر الله.
مناسبة وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل لما بعدها
- بعدما جاءت الأوامر بأداء الأمانات وامتثال العدل بين الناس للحكام قال الله عز وجل “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا” النساء 59.
- وفي هذا ترابط جميل فبعد أن أمر الله عز وجل الحكام بالعدل جاء دور الرعية ليؤمروا بالطاعة.
- والطاعة تكون لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم ومن ثم ولاة الأمور الذين هم الحكام والعلماء.
- ومن الجدير بالذكر أن طاعة ولاة الأمر وقعت بعد طاعة الله ورسوله فما كان من أمرهم مخالفا لله ورسوله رُد عليهم ولم يعمل به.
فوائد من تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل
- نجد في تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل جملة من الفوائد العظيمة التي تنفع المسلم في دينه ودنياه.
- فمنها أن الله عز وجل لما أمر الحكام أمرهم بالعدل ولم يأمرهم بالمساواة فعبر باللفظ الأصح والأنفع.
- حيث أن المساواة قد تكون ظلمًا في حق بعض الناس فمثلاً إذا ساوى الحاكم بين القوي والضعيف في بعض الأمور فسيكون ظالما لهما.
- كما أنه إن ساوى بين الصغير والكبير أو المرأة والرجل على اختلاف طبائعهما فسيوقع كل منهما في حرج.
- فلابد من مراعاة متطلبات كل شخص وقدراته ومن ثم تحديد واجباته وحقوقه بما لا يدع مجالاً للظلم.
- وهذا هو عين العدل الذي أمر الله عز وجل به عباده من الحكام والمحكومين إذا تحملوا مسئولية غيرهم.
- ومن الفوائد كذلك تعزيز المراقبة الذاتية ومراقبة الله عز وجل فإنه سبحانه لما أمر الحكام بالعدل قال “إن الله كان سميعا بصيرا”.
- وذلك لأن بعض الناس يعتقد أن الحاكم له كل الصلاحيات ولا رقيب عليه ولكن الله رقيب على من لا رقيب عليه من البشر.
- ومن الفوائد أيضا إثبات السمع والبصر لله عز وجل فهو سبحانه السميع البصير على وجه الحقيقة.
- حيث أن هناك من أنكر أن الله عز وجل يسمع ويبصر وهم بذلك قد ألحقوا النقص به سبحانه وهو منزه عن ذلك.
ولا تتردد في قراءة مقالنا عن: سبب نزول سورة الضحى
آيات تحث على العدل
جاءت في كتاب الله عز وجل عدة آيات تشهد وتؤيد تفسير: وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل:
- فمن ذلك قوله تعالى في سورة النحل “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ” النحل 90.
- وكذلك قوله تعالى “وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” الحجرات 9.
- وأيضا قوله تعالى “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ” المائدة 8.
- بالإضافة إلى قوله تعالى في سورة الأنعام “وَإِذَا قلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قرْبَىٰ” الأنعام 152.
كيف يكون الحاكم عادلاً؟
- يكون الحاكم عادلاً إذا أدى ما عليه من واجبات تجاه رعيته وتتلخص هذه الواجبات في عشرة أمور.
- أولها وأهمها هو حفظ دين الناس وتمكينهم من أداء الشعائر بحرية، وكذلك حفظ الحق لأهله بالقضاء العادل.
- ومن واجباته كذلك حفظ الأمن والأمان في رعيته فيمشون آمنين مطمئنين، كما يحفظ لهم حدود البلاد من الغزاة الخارجيين.
- كما يجب على الحاكم إقامة الحدود على المعتدين، وكذلك إقامة شعيرة الجهاد بتدريب المجاهدين وتأهيلهم.
- ومن واجباته أيضا تحصيل الزكاة والصدقات ومنحها لمستحقيها من الفقراء والمساكين وغيرهم.
- ومنها أن يولي عليهم من يقيم العدل فيهم وأن يكون مشرفا على أمورهم كافة.
- ليحقق النهضة لهم والازدهار في كل المجالات.
ثمرات الحكم بالعدل
- وللحكم بالعدل ثمرات وفوائد فبه يتحقق الأمن ويستتب في البلاد وبه تنتشر الخيرات وتكثر وتحصل فيها البركات.
- وبالعدل تصبح الدولة مترابطة فالمحكوم ممتن للحاكم لأدائه حقوقه والحاكم ممتن للمحكوم بطاعته له.
- كما يؤدي العدل للتعاون وسيادة الاتفاق بين أهل البلد فتكون مصلحتهم واحدة والكل يسعى لها.
- كما أن العدل سبب في محبة الله عز وجل للعبد وبه ينال الأجر الكبير في الدنيا والآخرة.
ولا يفوتك قراءة مقالنا عن: سبب نزول سورة الحشر وسبب تسميتها
أسئلة شائعة حول آية الحكم بالعدل
ما المقصود بالأمانات في الآية؟
الأمانات في هذه الآية تشمل كل ما يُؤتمن عليه الإنسان من حقوق وأموال وأسرار وغيرها. ويشمل ذلك الأمانات المعنوية والمادية التي يجب أن تُرد إلى أصحابها دون نقصان أو تأخير.
هل يشمل الأمر بالأمانة فقط الأمور المادية؟
لا، الأمر بالأمانة يشمل الأمور المادية والمعنوية على حد سواء. فالأمانة قد تكون مالاً، وقد تكون مسؤولية، أو حتى كلمة قيلت في السر. كل هذه الأمور يجب أن تُؤدى إلى أصحابها بصدق وإخلاص.
كيف يمكن تطبيق الحكم بالعدل كما ورد في الآية؟
تطبيق الحكم بالعدل يكون بالالتزام بالحق وعدم التحيز لأي طرف، والاعتماد على الأدلة والشواهد الصحيحة عند الحكم بين الناس. العدل يتطلب النزاهة والإنصاف في جميع القرارات.
ما هو المقصود بـ (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) في سياق الآية؟
هذه الجملة تذكير بأن الله يسمع ويرى كل ما يقوم به الإنسان، سواء في أداء الأمانات أو في الحكم بين الناس. لذلك يجب على المؤمن أن يكون واعيًا بأن الله مطلع على كل شيء، مما يعزز الالتزام بأوامر الله.