الصدق مع الله في العبادة
الصدق مع الله في العبادة يغفل كثير من الناس عن علاقتهم بربهم، ويبعد عن بالهم مصطلح الصدق مع الله ، في حين أنهم يهتمون بصورتهم الاجتماعية أمام الآخرين وعلاقتهم بهم، ويسعون لإرضائهم بشتى الطرق.
ولا يعرفون أن لصدقهم مع الله فضائل في الدنيا وفلاح في الآخرة، وأن الله أحق بإرضائه من الناس، ولهذا سنتحدث في هذا المقال عن كيفية الصدق مع الله وأهميته في الدنيا والآخرة مع الاستدلال بالأمثلة الحية.
محتويات المقال
الصدق مع الله
- هكذا يعد هذا الصدق من أفضل أنواعه؛ إذ تتعدد الأنواع: فهناك صدق مع النفس وصدق مع الآخرين.
- وكذلك صدق مع الله، وتتجلى معالم هذا الصدق في ثلاث جوانب وهم: الإيمان بالله تعالى وحسن الاعتقاد به.
- وأداء الطاعات المفروضة بإخلاص، والتحلي بالأخلاق الكريمة.
- فأما الإيمان فهو الصدق في اليقين بالله والخوف منه وامتلاك النية الصادقة، وليس الإيمان بالتحلي أو التمني.
- وأما أداء الطاعات فيكون صادقًا على أكمل وجه في ظاهر الإنسان وباطنه، ولا يتمثل الصدق في أداء الطاعات فقط.
- بل يكون الإنسان صادقًا في كل شيء وإن تعذر عليه أداء العمل، وذلك بحسن النية مع الله وصدق عزيمته.
- فإن صدق في العزيمة يسهل عليه أن يصدق في العمل؛ لأن صدق العزيمة وقود لصدق العبد في العمل.
كيف يكون الصدق مع الله
- يكمن الصدق مع الله في الإيمان أولاً الذي يؤدي إلى صدق العزيمة، ومن ثم الإخلاص في العمل وأداء الفروض بصدق.
- و يتقرب العبد من ربه بالعبادات التي فرضها عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج لمن استطاع وصلة الأرحام ورد الأمانات إلى أهلها.
- وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن كل ما هو منكر، وفي حقيقة الأمر أن هذه العبادات تقوي يقين الإنسان بالله وتتيح له التقرب منه.
- فهي ليست فروضًا فرضها الله كي يحملنا مشقتها، بل فرضها الله علينا كي نؤتي ثمارها.
يمكن الاستدلال على أهمية نية العبد في الصدق مع ربه في قوله تعالى:
- (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ.
- وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).
فكما قال الله فالصدق يكون بالإيمان واليقين، والذي يعين على ذلك أداء العبادات، وخاصة النوافل ومن الدليل على ذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الله عز وجل:
) وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتَّى أُحبَّه)
) وما تقرّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممّا افترضتُ عليه)
أعلى مراتب الصدق مع الله
الصدق كباقي القيم له درجة عليا وتُسمى ” الصديقية”، ومن ينال هذه المكانة يُسمى صديق، أي دائم الصدق.
مثل: أبو بكر الصديق الذي لُقب بهذا اللقب؛ لتصديقه برسول الله قبل الجميع في الوقت الذي كفرت قريش بالله وبالرسول، وهذا الاسم مشتق من الرفعة والعلو في المكانة، كما وصف الله بعض الأنبياء به، مثل:
وصف الله النبي إبراهيم عليه السلام بالصديق كما جاء في قوله: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا).
- وصف الله النبي إسماعيلعليه السلامبالصدق وجاء ذلك في قوله تعالى: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا).
- ذكر الله أيضًا النبي إدريس عليه السلام في كتابه العزيز ووصفه بالصديق في قوله: ( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيّا).
- كما وصف الله إسحاق ويعقوب عليهما السلام بالصدق فقال: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِوَ هَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا * وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا).
لا تقتصر الصديقية على الأنبياء وأتباعهم، وقد يصل إليها الإنسان إذا اقتدى بالرسل وأدى الأعمال التي كانوا يقومون بها.
وهي التي يجتمع فيها كمال الإخلاص لله والشعور بمعيته، والانقياد للنبي (صلى الله عليه وسلم) والاقتداء به في كل أعماله، والصديقية لها أنواع تنحصر في:
الصدق في القول
- وهي أن يصدق العبد في قوله مع ربه، كما يفي بوعوده مع الناس، مثل استواء السنبلة على ساقهايستوي لسان العبد في أقواله.
- كما جاء في قول الله: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا)
الصدق في العمل
- تستوي فيه الأفعال مع الأقوال والأوامر التي فرضها علينا الله عز وجل كاستواء الرأس على الجسد.
- وقد نهى الله عن اختلاف القول مع العمل في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ)
الصدق في الحال
- تستوي أفعال الجوارح والقلب فيه على الإخلاص.
أمثلة على الصدق مع الله
- من أشهر القصص التي تبرز الصدق مع الله عز وجل هي قصة كعب بن مالك (رضي الله عنه).
- عندما تخلف عن الحرب في غزوة تبوك وأخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم).
- بالسبب الحقيقي الذي أجبره على التقاعس عن المشاركة في المعركة.
- وقد كان صادقًا؛ لذلك تاب الله عليه ونجاه من الصعوبات والشدائد.
- من القصص التي يتجلى فيهاالصدق مع الله أيضًا هي قصة أنس بن النضير (رضي الله عنه).
- حيث حزن حزنًا شديدًا عندما علم بقدوم غزوة بدر وأنه لم يجاهد فيها، وقد كان صادقًا في قوله.
- فعاهد نفسه على الجهاد وقتال المشركين في الغزوات القادمة، وقد منّ الله عليه وأعانه على قتال المشركين قتالاً شديدًا في غزوة أحد.
- وجعله من الذين ثبتوا مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) حتى النهاية.
أهمية الصدق مع الله
تتجلى أهمية صدق العبد مع ربه في الدنيا والآخرة، والدليل على ذلك أن السيدة عائشة أوصت معاوية بالصدق مع الله عندما طلب منها توصية.
فقالت: ( سلام عليك أما بعد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس)، ومن أهمية الصدق مع الله:
- استجابة الله دعاء العبد عندما يصدق في قوله حتى وإن لم يقم بالعمل مادامت نيته صادقة في باطنه.
- ينزل الله على العبد الصادق معه سعادة النفس و طمأنينة القلب، فترك الكذب والنفاق يقي العبد من الشك، ويقوي يقينه بالله.
- يرقي الله من صدق معه إلى منازل الصديقين والأبرار عند الاقتداء بهم ومحاولة أداء أعمالهم، فيحشرهم الله معهم في الجنة.
- لا تقتصر ثمرة الصدق مع الله على الآخرة فقط، بل تمتد إلى الدنيا، فيجعل الله بركة في حياة الصادق معهويرزقه البركة في عمله وماله.
- عندما يصدق العبد مع ربه فإن هذا يحميه من أهوال يوم القيامة، ويمنع عنه صفة النفاق.
- والكذب التي تودي بحياته في الدنيا وتقذف به في النار في الآخرة.
- يصل المؤمن إلى درجة قريبة جدًا من ربه تقلل من مشاكل حياته وتهون عليه الدنيا.
- وتجعله في رضا دائم عن نفسه وعن قضاء الله وقدره.
- وهذه من صفات المؤمن التي لا يكتسبها إلا بالصدق مع الله.
- يلقى العبد الصادق مع الله قبولاً من الناس من حوله، ويشعر بالطمأنينة والراحة معهم، كما يقلل من مشاكل المجتمع.