تفسير فبما رحمة من الله لنت لهم
قال رب العزة سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لأنفضوا من حولك)، سورة (آل عمران)؛ في هذه الآيات الكريمة وضع رب العزة أسس الحكم في الإسلام والمبادئ التي تربى عليها كل تجمع إنساني كبر أو صغر دولة أو أسرة أو حتى صداقة بل ووضع الأساس لكيف تكون الأخوة في الله.
محتويات المقال
تفسير الآية الكريمة
فبما رحمة من الله؟
برحمة ربك يا محمد صلى الله عليه وسلم.
فظاً؛ أي جافياً غير ودود في معاملتك.
غليظ القلب؛ قاسي القلب شديد الطباع.
لأنفضوا من حولك؛ أي لانصرفوا عنك وتركوك.
فتوكل على الله؛ أي أمضي لما أمرك الله به، واستعن في إيمانك بالله.
شاهد أيضا: تفسير: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا
تفسير الميسر
يقول التفسير الميسر: إن الله قد منّ على النبي محمد بفضل رحمته، فجعل أخلاقه لينة وسهلة مع أصحابه. ولو كان النبي شديداً وقاسي القلب، لكان الصحابة ينفضون من حوله وينفضون عنه. لذلك، فعلى النبي أن يعفو عن تقصيرهم في غزوة أحد ويطلب مغفرتهم من الله. وكذلك، عليه أن يشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة. وبعدما يتخذ قراره بناءً على المشورة، عليه أن يتوكل على الله، لأن الله يحب المتوكلين عليه.
المختصر في التفسير
يقول المختصر في التفسير: إن رحمة الله جعلت خُلق النبي صلى الله عليه وسلم سهلاً وليناً مع أصحابه، فلو كان النبي شديداً وقاسي القلب، لتفرق الصحابة عنه. ولذلك، يجب أن يعفو عنهم ويستغفر لهم، ويسألهم رأيهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة. ثم، بعد أن يتخذ قراراً، عليه أن يتوكل على الله، الذي يحب المتوكلين عليه.
تفسير الجلالين
يقول تفسير الجلالين: إن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد لانت أخلاقه بفضل رحمة الله، رغم أن أصحابه قد خالفوه في غزوة أحد. ولو كان النبي فظاً وقاسي القلب، لتفرقوا عنه. ولذلك، ينبغي عليه أن يعفو عنهم ويطلب المغفرة لهم. وعليه أيضاً أن يشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة، ثم بعد اتخاذ القرار، عليه أن يتوكل على الله، الذي يحب المتوكلين عليه.
تفسير السعدي
يقول تفسير السعدي: إن رحمة الله هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لينا وسهلاً مع أصحابه، فلو كان شديداً وقاسي القلب، لتفرق الصحابة عنه. لذلك، يجب على النبي أن يعفو عن تقصيرهم ويطلب مغفرتهم. كما ينبغي أن يشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى استشارة، وعندما يتخذ قراراً بعد المشاورة، يجب أن يتوكل على الله، الذي يحب المتوكلين عليه.
تفسير البغوي
يقول تفسير البغوي: إن رحمة الله هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لينا مع أصحابه، رغم أنهم خالفوه في غزوة أحد. ولو كان النبي فظاً وقاسي القلب، لتفرق الصحابة عنه. ولذلك، يجب على النبي أن يعفو عنهم ويطلب المغفرة لهم. وعليه أيضاً أن يشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى استشارة، وعندما يتخذ قراراً، عليه أن يتوكل على الله.
التفسير الوسيط
يقول التفسير الوسيط: إن الله قد منح النبي محمد رحمة جعلت أخلاقه لينة وسهلة مع أصحابه، وإذا كان النبي شديداً في قوله أو فعله، لتفرق الصحابة عنه. ولذلك، يجب أن يعفو عن تقصيرهم في غزوة أحد، ويطلب مغفرتهم، ويشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى استشارة. وبعد اتخاذ القرار، عليه أن يتوكل على الله، الذي يحب المتوكلين عليه.
تفسير ابن كثير
يقول تفسير ابن كثير: إن رحمة الله هي التي جعلت النبي محمد لينا وسهلاً مع أصحابه، رغم تقصيرهم في غزوة أحد. لو كان النبي فظاً وقاسي القلب، لتفرق الصحابة عنه. ولذلك، يجب على النبي أن يعفو عنهم ويطلب مغفرتهم، ويشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى استشارة. وعندما يتخذ قراراً، عليه أن يتوكل على الله، الذي يحب المتوكلين عليه.
تفسير القرطبي
يقول تفسير القرطبي: إن رحمة الله هي التي جعلت النبي صلى الله عليه وسلم لينا وسهلاً مع أصحابه، لو كان فظاً وقاسي القلب، لتفرق الصحابة عنه. ولذلك، يجب على النبي أن يعفو عنهم ويطلب مغفرتهم، ويشاورهم في الأمور التي تحتاج إلى مشورة. وبعد اتخاذ القرار، عليه أن يتوكل على الله، الذي يحب المتوكلين عليه.
رسول الرحمة
محمد رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم، بعثه الله سبحانه رحمة لكل خلقه.
فبعثه لجنهم، وانسهم، بل وطيرهم وحيوانهم.
إذ أن رب العزة بدأ حديثه لأشرف خلقه صلى الله عليه وسلم، فبما رحمة من الله؟
بمعنى أن الله قد منحك رحمة في قلبك جعلتك أرحم عباده بعباده سبحانه.
وتلك الرحمة قد جعلتك لين الطباع، لطيف الخصال، ودود المعاملة، وكلها صفات اشتقت من الصفات العلي لرب العالمين.
فلو كنت فظاً غليظ القلب لتركوك يا محمد، فرب الناس سبحانه هو الأعلم بما يرقق قلوب عباده.
وأن يلين القلب والود في التعامل، هو ما يفتح لك يا محمد قلوب العباد.
ثم يرسي ربنا سبحانه وتعالى مبدأ العفو عن المخطئين والتائبين.
فأمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لأصحابه، إذ أن من استغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم غُفر له.
فإن الله يحب أن يغفر لعباده، ثم أمره سبحانه أن يجعل توكله على ربه وحده.
فهو سبحانه يحب من توكل عليه بل وجعل ذاته العليا سبحانه حسيب من توكل عليه.
اقرأ أيضا: تفسير: ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله
رسول الله هو الرحمة المهداة
وصفه رب العزة سبحانه: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) فهو الرحمة المرسلة إلينا من رب العالمين.
فنذكر على سبيل المثال موقف رسول الله عندما رأى ولد إحدى بناته، ففيض روحه، فبكى، فلما سئل عن ذلك قال:
صلى الله عليه وسلم، (هذه رحمة يضعها الله في قلب من يشاء من عباده).
وإنما يرحم الله من عباده الرحماء. فكان صلى الله عليه وسلم رحمته على القريب والبعيد.
ولنا فيه صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنى، فأين التراحم بيننا وأين التواد بيننا، وأين اللين بيننا.
كان يكره صلى الله عليه وسلم أن يدخل المشقة على عباده، فكان يخفف عن الناس مراعاة لأحوالهم.
فكان أحياناً يريد أن يطيل في الصلاة فيسمع بكاء طفل فيشفق على أمه.
رحمة الرسول بأهل بيته
كان رسول الله شديد الرحمة بأهل بيته فعلى سبيل المثال لما بكت أمامه أبنته زينب حملها وهو يصلي بالناس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها.
وعندما سجد مرة فصعد الحسن على ظهره، فأطال السجود، فلما سلم أعتذر للناس.
وشرح لهم سبب إطالته في السجود، إذ إنه لم يرد أن يقطع لعب الصغير ويبكيه فأراده أن يقضي حاجته ويشبع.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن منهم الصغير والثقيل والكبير).
وكان رسول الله يحب بلال حباً شديداً إذ كان بلال الأسوة الحسنة التي يجب أن نتبعها.
فلما أحتضر بلال رضي الله عنه قالت زوجته:
(وحزناه، فكشف الغطاء عن وجهه وهو في سكرات الموت، وقال:
لا تقولي وحزناه، وقولي وفرحتاه ثم قال غداً نلقى الأحبة محمداً وحزبه).
ولما قدم عمر الشام سأله المسلمون أن يسأل بلال أن يؤذن لهم، فسأله فأذن يوماً.
فلما وصل إلى قوله أشهد أن محمداً رسول الله، فلم يستطع أن يكملها من كثرة البكاء.
فلما سمعه الناس ضجت المدينة كلها بالبكاء، فلم يرى يوماً كان أكثر باكياً من يوم إذن ذكراً منهم لمحمد صلى الله عليه وسلم.
أخلاق الرسول محمد مع قومه
قال ربنا في هذه الآية موضوع مقالنا فبما رحمة لنت لهم وهو اللين الذي فطرنا الله عليه سبحانه.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ودودا رحيماً ومبشراً أيضا، فإذا دخل على أهله وأصحابه دخل عليهم بوجه باسماً.
وكذلك إذا تحدث معهم تحدث حديث الود والحنان والعطف لأنه بعث رحمة للعالمين.
وأحق الناس بهذه الرحمة كانوا أهله وقرابته وأحبابه وأصحابه أيضا.
وكان صلى الله عليه وسلم تعلو محياه الطاهر البسمة المشرقة الموحية، فإذا قابل بها الناس أسر قلوبهم أسراً ومالت نفوسهم بالكلية إليه، وتهافتت أرواحهم عليه.
فكان يبتسم بوجه أبهى من الشمس وجبين أزهر من البدر، وفم أطهر من الاقحوان وخلق أندى من الرياض وود أرق من النسيم.
يمزح ولا يقول إلا حقاً، فيكون مدحه على أرواح أصحابه أغنى من قطرات الماء على كبد الصدأ.
وفي هذا السياق يقول جرير ابن عبد الله البجلي رضي الله عنه:
(ما حجبني النبي صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ولا أراني إلا تبسم في وجهي).
وجرير يفتخر بهذا العطاء، ويعلن هذا السخاء، فهذه البسمة الدافئة الصادقة أجل عند جرير من كل الذكريات، وأسمى من كل الأمنيات.
وقد ورد أنه مازح بعض أصحابه له: (أريد أن تحملني يا رسول الله على جمل) فقال:
(لا أجزى لك إلا ولد الناقة، فول الرجل فدعاه وقال له: وهل تلد الإبل إلا النوق؟ بمعنى أن الجمل أصلا ولد الناقة).
وورد أيضاً أن عجوزاً أتته تطلب منه أن يدعو لها وأهلها أن تدخل الجنة فقال: (يا أم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز)، فولت تبكي.
فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى يقول: (إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً عرباً أتراباً). الواقعة الآية ٣٥-٣٧.
اخترنا لك أيضا: هل يجوز تفسير فويل للمصلين مقطوعه عن سياق الآية؟
معاني كلمات آية: فبما رحمة من الله لنت لهم
- فبما: “فبما” تعني “بسبب” أو “من أجل”.
- رحمة: الرحمة هي الرفق واللطف والرحمة. في السياق، تعني النعمة أو الفضل الذي منح الله إياه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- لنت: “لنت” تعني “سهلت” أو “رقيق”. في هذا السياق، تعني أن النبي صلى الله عليه وسلم أصبح طيّب القلب ولينًا في التعامل مع أصحابه.
- لهم: تعني “معهم” أو “لأجلهم”.
- ولو كنت: “ولو كنت” تعني “حتى لو كنت”.
- فظا: “فظا” تعني “قاسيًا” أو “جافًا”.
- غليظ: “غليظ” تعني “خشن” أو “عنيف”.
- القلب: “القلب” هنا يشير إلى مشاعر الإنسان وطباعه.
- لانفضوا: “لانفضوا” تعني “لتفرقوا” أو “تركوك”.
- من حولك: تعني “من حولك” أو “من معك”.
- فاعف عنهم: “فاعف” تعني “اغفر” أو “تجاوز عن”.
- واستغفر لهم: “واستغفر” تعني “اطلب المغفرة” أو “اطلب العفو” من الله لهم.
- وشاورهم: “وشاورهم” تعني “استشرهم” أو “اطلب مشورتهم”.
- في الأمر: تعني “في المسألة” أو “في الشأن”.
- فإذا عزمت: “فإذا عزمت” تعني “عندما تقرر” أو “عندما تتخذ قراراً”.
- فتوكل على الله: “فتوكل على الله” تعني “ضع ثقتك في الله” أو “اتكل على الله”.
- إن الله يحب المتوكلين: “إن الله يحب المتوكلين” تعني أن الله يحب الذين يثقون فيه ويعتمدون عليه.
سبب نزول قوله تعالى: فبما رحمة من الله لنت لهم
- الآية نزلت في سياق تعامل النبي محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، وتحديدًا بعد معركة أحد، حيث واجهت الأمة الإسلامية فترة من الصعوبات والاختلافات.
- كان هناك نزاع بين الصحابة حول بعض القرارات والتصرفات بعد المعركة، وكان بعضهم غير راضٍ عن بعض الخيارات التي اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيما يلي سنذكر تفاصيل الآية:
- الخلفية التاريخية: بعد معركة أحد، واجه المسلمون صعوبات كبيرة، وكانت هناك حالة من الإحباط والاختلاف بين الصحابة. كان النبي صلى الله عليه وسلم يحاول أن يتعامل مع هذه الأمور برفق ولطف، ويأخذ بعين الاعتبار مشاعر وأراء الصحابة.
- الاختلاف: جاء بعض الصحابة يشككون في بعض القرارات التي اتخذت بعد المعركة، وأثاروا بعض الانتقادات.
- الرسالة: الآية جاءت لتؤكد على ضرورة اللين والرحمة في التعامل مع الآخرين، حتى في الأوقات الصعبة. وقد جاء التوجيه الرباني للنبي صلى الله عليه وسلم ليدل على أهمية العفو والاستغفار والتشاور مع الصحابة.
- إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تعامل بخشونة، لكان الصحابة قد تفرقوا عنه، لكن برفقه وكرمه استطاع أن يحافظ على وحدة الجماعة.
- المشورة والتوكل: التوجيه في الآية يشير إلى أهمية المشاورة مع الصحابة في الأمور المهمة وأهمية التوكل على الله بعد اتخاذ القرارات.