تفسير: وكان فضل الله عليك عظيما
تفسير: وكان فضل الله عليك عظيما، خاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الأكرم، ورسوله الأعظم، محمد صلى الله عليه وسلم، بهذه الكلمات البينة، وتلك العبارات الواضحة، ليبين لنا فضله على البشر، كل البشر، فما هو هذا الفضل؟ وما هي علاماته وأثره على الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم؟ في السطور التالية نقدم الإجابة.
محتويات المقال
معنى الفضل
- الفضل هو الزيادة والإحسان، والعطاء الممنوح من الله سبحانه وتعالى إلى عبد من عبيده، وهو غير مستحق بمعنى أنه غير لازم، بل تكرم وتفضل من الله.
- كذلك فإن فضل الله سبحانه وتعالى على الرسول صلى الله عليه وسلم، هو أعظم من أي فضل آخر على أي بشر من خلقه، ولا ريب، فقد منحه الله كل ما جعله أهلا لأن يكون سيد المرسلين وخاتمهم.
اقرأ أيضا: تفسير: فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل
سبب نزول آية وكان فضل الله عليك عظيما
- ورد سياق “وكان فضل الله عليك عظيما” ضمن الآية “وعلمك ما لم تكن تعلم، وكان فضل الله عليك عظيما”.
- كما ذكر المفسرون تفسيرًا مشهورًا في سبب نزول الآية، عن قتادة بن النعمان رضى الله عنه، ذكرها معظم المفسرين في سبب نزول هذه الآية.
- وتتلخص القصة في أن رجلا من بنى أبيرق يقال له بشير، كان منافقًا، وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم، ويزعم أنه يسمع هذا الشعر من غيره، لكن الصحابة كانوا يعرفون أنه هو من يقول هذا الشعر.
- وورد أن هذا الخبيث سرق من بيت، فلما افتضح أمره، قام هو ومعه أهله بإلقاء ما سرقوه في بيت أناس آخرين، واتهموهم بالسرقة، وذهبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يزعمون ذلك، وكاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدقهم.
- وقد أنزل الله سبحانه وتعالى هذه الآيات، ليبين لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، كذب هؤلاء القوم وخبثهم، واتهامهم لغيرهم من الأبرياء بارتكاب جريمة السرقة، وأكرمه بفضله وقال تعالى” وكان فضل الله عليك عظيما”.
تفسير: وكان فضل الله عليك عظيما
تفسير ابن كثير
- يتمثل كرم الله سبحانه وتعالى وجوده، في أنه يتوب ويتجاوز عن كل من يذنب ذنبا، وأن من يتوب إلى الله تعالى، يتوب الله عليه، ويتجاوز عنه، ويغفر له، ويمنحه من واسع فضله وكرمه ورحمته وأن الفيصل في ذلك هو الاستغفار.
- أيضا مغفرة الله سبحانه وتعالى لا تقتصر على ذنوب محددة، بل تشمل كل الذنوب والخطايا، إذا صحت التوبة، وصدقت النية، غفر الله كل الذنوب، ولو كانت أكبر من السماوات والجبال وكل ما خلق الله.
- كذلك من يفعل الذنب ويتهم به غيره، مثل ما فعله بشير وقومه من بني أبيرق، يرتكب خطيئًة عظيمًة، وذنبًا كبيرًا، ويكون خائنًا وله من العقوبة مثل ما للسارق، وما فعله من خطيئة.
- وقد أكرم الله سبحانه وتعالى نبيه، وتفضل عليه وعصمه من الزلل، وكان فضل الله عليه عظيما بما أوحى إليه من خبر هؤلاء القوم وكذبهم وخبثهم.
- فنجى الله تعالى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، وبين له الحقيقة، وكف عنه شر الحكم بصحة مزاعم هؤلاء الكاذبون .
تفسير الطبري
- تمثل فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه في عصمته من الزلل، بأن يبين له أمر هذا الخائن وقومه الكاذبون.
- فكف شرهم عنه صلى الله عليه وسلم، ونجاه من الزيغ عن طريق الحق.
- وألهمه القضاء بالحق، والحكم بالعدل بعد أن أوحى إليه.
- ويخطئ هؤلاء الضالون إن ظنوا أو زعموا أنهم يضلون غيرهم من الناس، بل إنهم في الحقيقة يضلون أنفسهم.
- ويوردون أنفسهم المهالك، ولن يستطيعوا أن يضروا أحدًا غيرهم.
- وقد خاب مسعاهم في الإضرار بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في أن يجعلوه يحكم بمزاعمهم.
- وقد ثبت الله سبحانه وتعالى نبيه، وسدد أموره، وبين له أمر هؤلاء الضالين، الذين سعوا في طلبهم بأن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم – وحاشاه – أن يحكم بغير الحق.
- وكان فضل الله عليك عظيما بأن أوحى إليك الكتاب والحكمة، الذين فيهما الحق، وفي الكتاب علم ما لم تكن تعلمه.
- وهذا فضل من الله وكرم ما بعده فضل، وما مثله كرم، وليس هناك فضل ولا كرم أعظم من أن يتولاك الله بنفسه. .
تفسير السعدي
- وكان فضل الله عليك عظيمًا، فضل الله على الرسول صلى الله عليه وسلم، أعظم من فضله على أي خلق آخر.
- وأنواع هذا الفضل لا عدد لها ولا حد، ويستحيل إحصاؤها، وهو فضل لا يستطيع بشر أن يصفه أو يحيط به.
- ومن فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه، أنه جعله أعلم الخلق على الإطلاق.
- ومقامه في العلم أسمى وأرفع من أن يرتقي إليه أحد.
- كما أن جمعه صلى الله عليه وسلم لصفات الكمال بلغت مرتبة جعلته أكمل الخلق بلا منازع.
- رغم علم الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لم يبلغه أحد فإن كل علم البشر – كل البشر – قليل بالنسبة لعلم الله سبحانه وتعالى.
- وقد وصف سبحانه ما أتاه للناس من علم بالقليل.
تفسير القرطبي
- فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه أن نبهه للحق، أو أنه اختصه بالنبوة، أو جعل فيه العصمة، والنجاة من شر مؤامرة بنى أبيرق واليهودي، وأعلمه إياها.
- أيضا لا يستطيع الضالون إلحاق الضرر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وضررهم مردود عليهم.
- لأن الله سبحانه وتعالى عصم نبيه، وكفاه شرهم.
- كذلك علم الله الرسول صلى الله عليه وسلم الشرائع والأحكام، وهذا من فضل الله العظيم على نبيه صلى الله عليه وسلم.
خواطر الشعراوي
- الفضل الأول لله على نبيه هو عصمته إياه، صلى الله عليه وسلم من الضلال على يد طائفة أرادت أن تنأى به عن الحق، فعصمه الله وأوحى إليه الحقيقة، ونجاه من المؤامرة.
- أما الفضل الثاني لله على نبيه فهو إنزال الكتاب عليه بكل ما فيه من علم وشرائع، كما أنه سبحانه وتعالى منحه الحكمة.
- وأذن له بالتشريع، فالسنة ما هي إلا امتداد للوحي، وكل ما جاءت به السنة هو من عند الله.
- أما تكرار لفظ فضل الله في الآية مرتين، فقد جاء بسبب أنه في المرة الأولى.
- أنقذ الله رسوله من الحكم بحكم واحد من أهل الكتاب، وكان سيكون حكما ظالما.
- وفي الثانية أنه علم الرسول الكتاب والحكمة، وما أعظمه من فضل.
تفسير القشيري
- فضل الله على الرسول هو حفظه إياه من الزلل والضلال، فهو محروس من الله، محفوظ بحفظ الله.
- ومعصوم بعصمة الله، وكف عنه أيدي الخلق، فلا يصل مكرهم وكيدهم له أبدا.
- وقد اختص الله رسوله صلى الله عليه وسلم بإنزال الكتاب، وعلمه علما لم يعلمه أحد غيره.
- وعلمه من الحكمة والآداب، وامتن عليه بالنعم بما لم يمن بمثله على غيره من الخلق.
- أيضا كان فضل الله على نبيه عظيم منذ الأبد، وكان له شرف عظيم يعلمه الله منذ الأزل.
- وعلم الله نبيه علو مكانته وسمو قدره على كافة المخلوقات من إنس وجن وكائنات.
كما يمكنكم التعرف على: تفسير: هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه
ما يستفاد من قوله وكان فضل الله عليك عظيما
- في قوله سبحانه وتعالى وكان فضل الله عليك عظيما بيان فضل الله سبحانه وتعالى على نبيه.
- وأنه بسبب هذا الفضل كان الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الخلق جميعًا وأعلمهم.
- وما من مخلوق حظي بكل هذا الفضل من الله سبحانه وتعالى.
- وجاء الأمر بالتزام الحق في الأقوال والأفعال، حتى ولو كان الذي عليه الحق أكثر عددًا، وأبلغ حجةً ومنطقًا.
- وأعظم نفوذًا وجاهًا، والأمر للمسلمين والمؤمنين في صورة موجهة للنبي صلى الله عليه وسلم المعصوم بعصمة الله.
- كذلك فإن الذي يسعى إلى الضلال ويهدف إليه، إنما يضل نفسه قبل كل شيء، ويؤذيها.
- ولن يتمكن من إيذاء أحد إلا بإذن الله، والله يعصم من يخلص له، ويؤمن به حقا من الزلل والضلال.
كما يمكنكم الاطلاع على: تفسير: ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب
فضائل الله تعالى ونعمه
قال الله تعالى: “وكان فضل الله عليك عظيمًا”، ولذلك سنذكر فيما يلي بعض هذه الفضائل:
نِعمة الإيجاد أو الكُنِّية
نعمة الإيجاد أو الكُنية هي نعمة وجود الإنسان نفسه، أي أن الله تعالى خلق الإنسان ومنحه الحياة. هذه النعمة تتضمن كل جوانب الوجود الإنساني، بدءًا من النشوء والخلق، وصولًا إلى القدرة على التفكير، الشعور، والتفاعل مع العالم.
- الخلق: الله خلق الإنسان من العدم، وهذا يشمل خلق جسم الإنسان، عواطفه، وقدراته العقلية.
- الحياة: منح الله الإنسان الحياة، وهو ما يسمح له بالعيش، والتعلم، والعمل، والتفاعل مع الآخرين.
- القدرات والمهارات: يشمل ذلك العقل، الحواس، والقدرات البدنية التي تمكن الإنسان من تحقيق أهدافه في الحياة.
نعمة العافية
نعمة العافية تتعلق بالصحة الجسدية والنفسية للإنسان. الصحة والعافية تعني عدم وجود الأمراض الجسدية والنفسية التي قد تعوق حياة الإنسان.
- الصحة الجسدية: عدم الإصابة بالأمراض الشديدة، وجود القدرة على القيام بالأنشطة اليومية، والحفاظ على السلامة البدنية.
- الصحة النفسية: الاستقرار العاطفي والعقلي، وعدم التعرض للاضطرابات النفسية أو الضغوط النفسية الكبيرة.
- القدرة على الاستمتاع بالحياة: العافية تمنح الإنسان القدرة على الاستمتاع بالأنشطة، والعلاقات الاجتماعية، وتحقيق الأهداف الشخصية.
نعمة الستر
نعمة الستر هي نعمة الله في عدم فضح عيوب الإنسان وأخطائه، وعدم كشفها للناس.
- ستر العيوب: الله يستر عيوب الإنسان ويغطيها، ما يمنع الناس من معرفة تفاصيل عيوبهم الشخصية.
- الحماية من العار: يمنع الله عن الإنسان الكشف عن أخطائه أو خطاياه التي قد تسبب له الإحراج أو العار.
- الفرصة للتوبة: يمنح الستر للإنسان فرصة للتوبة والإصلاح دون التعرض للاحراج والانتقادات.
نعمة الولد
نعمة الولد تتعلق بمنح الله للإنسان الذرية، وهي نعمة تتضمن كل الفوائد العاطفية والاجتماعية التي تأتي من وجود الأبناء.
- الفرح والسعادة: الأبناء يجلبون الفرح والسرور للأسرة، ويساهمون في استمرارية العائلة.
- الاستمرارية: الأبناء يساهمون في استمرارية النسل والتركة، ويعكسون القيم والمبادئ التي تلقوها من الوالدين.
- الدعم العاطفي: الأبناء يوفرون دعمًا عاطفيًا ونفسيًا للوالدين، خصوصًا في مراحل متقدمة من العمر.
نعمة الهداية الإلهية
نعمة الهداية الإلهية تتعلق بتوجيه الله للإنسان إلى الطريق الصحيح في الدين والحياة، وهي من أعظم النعم التي تحقق للإنسان السعادة في الدنيا والآخرة.
- الهداية إلى الإسلام: فهم الدين، تعاليمه، والالتزام بها، مما يحقق للإنسان رضا الله والفلاح.
- الهداية إلى الخير: تقديم النصائح والوسائل التي تساعد الإنسان في اتخاذ القرارات الصائبة والابتعاد عن المحرمات.
- التوفيق: منح الله للإنسان القدرة على أداء العبادة والالتزام بأوامر الله ونواهيه، مما يؤدي إلى حياة متوازنة وسعيدة.