ولقد خلقنا الإنسان في كبد للشعراوي
ولقد خلقنا الإنسان في كبد للشعراوي، خلق الله الإنسان في مكابدة، والمكابدة هي المجاهدة، فلا يزال الإنسان في جهاد في الدنيا.
ومكابدة ومقاساة من شدائدها، حتى يموت، ولا تنتهي المكابدة بموته، بل إنه يظل في مكابدة حتى ينجو من ظلمة القبر، وسؤال الملكين، ثم يكابد أهوال يوم القيامة،
كل هذا قد جعل الله لنا منه نجاة، وفي هذا المقال سنتحدث عن الآية الكريمة (ولقد خلقنا الإنسان في كبد) وتفسيرها للشعراوي.
محتويات المقال
الإعجاز الإلهي في سورة البلد
للإمام الشعراوي كلمات كالدرر في هذا الباب فيفسر لنا الإمام رضي الله عنه آيات تلك السورة كالآتي:
- ( فلا أقسم بهذا البلد).
- فيقول: أقسم رب العزة بالبلد الحرام؛ وذلك لحرمتها وتشريفها عند الله؛ لأنها بيته الحرام، وبلد رسول الله صلى الله عليه وسلم
- (وأنت حل بهذا البلد).
- وهو قسم رب العزة أيضا بالبلد الذي أنت تقيم فيه يا محمد تشريفاً لك، وتعظيماً لقدرك.
- (ووالد وما ولد).
- يقسم رب العزة بكل والد وكل مولود لعظيم قدر الأب عند الله.
- ثم لعظم قدر أمه في الولادة والنسل وتكرارها حتى قيام الساعة.
- (لقد خلقنا الإنسان في كبد).
- إن الإنسان سيظل في مكابدة الدنيا وشدائدها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
- (أيحسب أن لن يقدر عليه أحد)
- كذلك أيظن الإنسان أن لن يقدر عليه أحد ولن ينتقم منه أحد على جرائمه.
- (يقول أهلكت مالاً لبداً).
- أي مالاً كثيراً
- (أيحسب أن لم يره أحد)
- أين أن ربه لم يراه ولن يسأله عن ماله فيما أكتسبه وفيما أنفقه.
- (ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين)
- أي ألم نخلق له عينين يرى بهما ولسان يتحدث ولساناً يتحدث به.
- (وهديناه النجدين).
- أي ألم نعرفه طريق الخير والشر.
- (فلا أقتحم العقبة).
- أفلا يهم العبد بالقضاء على الموانع التي تحول بينه وبين طاعة ربه.
- (فك رقبة).
- بمعنى إعتاقه رقبة عبداً أو أمة مؤمنة.
- (أو إطعام ذي مسغبة).
- أي الإطعام يوم المجاعة.
- (يتيماً ذا مقربة).
- وهو الصغير اليتيم الذي لا أب له وذو قربة للشخص.
- (أو مسكيناً ذا متربة).
- أي الفقير الذي لا مال له كأنه لصق بالتراب وقيل أيضاً المجاهد في سبيل الله.
- (ثم كان من الذين آمنوا)
- أي لا يقبل كل هذا إلا من المؤمنين.
- (وتواصوا بالصبر).
- أي الصبر على طاعة الله والصبر على المعصية والصبر على البلايا والمصائب.
اقرأ أيضا: دعاء تيسير الزواج من شخص معين محمد متولي الشعراوي
ولقد خلقنا الإنسان في كبد
خلق الله آدم وكرمه في الجنة ونعمه وجعل له الجنة كلها حلالاً له.
وحرم عليه شجرة واحدة لكن إبليس لعنة الله عليه خدعه فعصى آدم ربه.
فخرج آدم وزوجه من الجنة وخرج معهما إبليس عدواً لهما ولنسلهما حتى قيام الساعة.
وعند هبوط آدم وزوجته على الأرض جعل حياتهما أيضا على منهاج واحد هو طاعته.
(وهديناه النجدين) بمعنى أن هذا هو السبيل الوحيد الذي أمر الله به عباده وهو الصراط المستقيم.
ولكن ذلك ليس السبيل الوحيد لابن آدم فإبليس لعنة الله عليه له سبيل آخر محفوف بالملذات.
كما هو سبيل أوله شهوات الدنيا، وآخره في النار؛ وقودها الناس والحجارة.
أعاذنا الله وإياكم منها (وكل نمد هؤلاء وهؤلاء وما كان عطاء ربك محظوراً).
أي أن الله هيأ للمتقين سبيلهم، وهيأ للعصاة سبيلهم.
حفت الجنة بالمكاره
كما حكي في الأثر أن رب العزة عند خلقه الجنة والنار، أمر جبريل عليه السلام أن يضطلع على الجنة والنار.
فعاد جبريل لربه، وقال له:
(يارب رأيت الجنة فظننت أن لن يدخلها أحد فقد حفت بالمكاره.
وظننت أن النار لن ينجو منها أحد فقد حفت بالشهوات).
فحياة المؤمن في هذه الدنيا تبنى على المكابدة، كمكابدة النفس، والابتلاءات، والمصائب، والشيطان.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة:
(انتهيتم من الجهاد الأصغر وبدأ الجهاد الأكبر، فقالوا: وما هو يا رسول الله، قال: مجاهدة أنفسكم).
ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة
إن محمد صلى الله عليه وسلم لم يَعد أصحابه بمغنم عاجل أو آجل، لم يعدهم بشيء إلا بحب الله ورسوله والجنة.
فصقلت القلوب من ران الجاهلية، فكان الله ورسوله أحب إليهم من سواهما.
وإن أوذوا وتمت محاربتهم؛ يصبرون ويثبتون.
لذلك علمنا رسول الله صلى الله عليه، ما هي نعمة الصبر، والاحتساب، وانتظار الأجر والثواب من رب العالمين.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أشد الناس بلاء ً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، فيبتلى المؤمن على قدر إيمانه، فإن كان في دينه صلباً أشتد بلائه.
وإن كان في دينه رقة، أبتلي على قدر دينه فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي ع الأرض وما عليه خطيئة).
رواه أحمد والترمذي وابن ماجه كما وصححه الألباني.
وعن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه قال:
(ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا أذى ولا حزن ولا غم.
حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) أخرجه البخاري.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(من يرد الله به خيراً يصب منه) أخرجه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(لا يتمنى أحدكم الموت لضر أصابه، فإن كان لابد فاعلاً.
فليقل رب أحييني ما كانت الحياة خيراً لي وأمتني ما كان الموت خيراً لي) أخرجه البخاري.
وعن أنس رضي الله عنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا.
وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوفر عقوبته كاملة يوم القيامة) رواه الترمذي والحاكم ومسلم.
تابع ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن عظم الجزاء مع عظم البلاء فإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم.
فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فعليه السخط) رواه الترمذي وابن ماجه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله، حتى يلقي الله تعالى وما عليه من خطيئة) رواه أحمد.
فكان رب العزة يربط على قلوب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ بتلك الكلمات العظيمات.
لأن كل حديثاً من أحاديث رسول الله الشريفة ليس من عنديات رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإنما هي وحي من الله تبارك وتعالى، (وما ينطق عن الهوى إن هو وحي يوحى).
فكان لتلك الأحاديث الشريفة ما جعل أصحاب رسول الله يتحملون الأذى والبلاء.
وذلك من أجل الفوز بحب الله، ورسوله، وجنان رب العالمين.
شاهد أيضا: أجمل أقوال الشيخ الشعراوي
نحن عباد الله فلما يبتلينا
ما الحكمة من هذه الابتلاءات التي تواجهنا في حياتنا، ونحن عبيد الله نعبده، ولا نشرك به أحداً.
نطلب رحمته ونخشى عذابه، فلم يبتلينا سبحانه.
قبل أن نسأل أنفسنا هذا السؤال، والذي مجرد ذكره فيه خروج عن معنى الاستسلام الكامل؛ الذي أمرنا الله ورسوله به.
إلا أنه وجب الرد على هذا السؤال؛ لغلق باب من أبواب إبليس لعنة الله عليه.
قبل هذا السؤال، هناك سؤال أولى أن يسأله كلاً منا لنفسه.
ألا وهو، لماذا لاقى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم هذه الصنوف من العذاب؟
ولماذا لم يعصمهم الله تبارك وتعالى من هذه الابتلاءات؟ وهم جنوده، وأكرم خلقه عليه سبحانه.
وكذلك فيهم رسوله صلى الله عليه وسلم، أحب خلق الله إليه، وهم يجاهدون في سبيل الله، ويدعون إليه سبحانه.
والإجابة أن أول صفة للعبد في الدنيا؛ أنه مكلف أي مطالب دوماً ومأمور من قبل الله عز وجل.
بحمل ما فيه الكلفة، والمشقة، ومأمور بالدعوة، إلى الإسلام والجهاد لإعلاء كلمة الله، وهي من أهم متعلقات التكليف.
وهذا التكليف من أهم مستلزمات العبودية لله تعالى، ولا معنى للعبودية لله تعالى بدون تكليف.
وعبودية الإنسان لله عز وجل ضرورة من ضروريات ألوهيته سبحانه وتعالى.
فقلب ولب الإيمان هو تحقيق العبودية لله.
والعبودية لا تتحقق إلا بحمل التكليف والقيام به، كما أمرنا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
واستلزمت العبودية تحمل المشاق و مجاهدة النفس والهوى.
وكل هذا أمرنا به الله وذلك؛ لإقامة المجتمع الإسلامي الصحيح.
ولو شاء الله لجعل السبيل إلى إقامة المجتمع الإسلامي بعد الإيمان به سهلاً.
ولو كان سهلاً ً فما الذي يدل على عبودية العبد لربه؟
وعلى أنه باع حياته وماله لله عز وجل؟
تابع نحن عباد الله فلما يبتلينا
وأن كل حركاته، وسكونه، وأهوائه، منقادة إلى ما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
وعلى ذلك فيتشابه المؤمن، والمنافق، والصادق، والكاذب، فلا يتمحص أيهم عن الآخر.
فلو تركت العبودية للسان فقط لأستوى الصادق، والكاذب، ومن هنا كانت الفتن والبلاءات هما الميزان الذي يميز المؤمن من المنافق.
وصدق الله رب العالمين في محكم آياته إذ يقول رب العزة تبارك وتعالى:
(أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (العنكبوت ١-٣).
وقال سبحانه:
(أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) آل عمران ١٤٢.
هذه سنة الله في خلقه، ولن تجد لسنة الله تبديلاً، حتى مع أنبيائه، ومن أجل ذلك؛ أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(أن الله سبحانه اقتضت حكمته انه لابد أن يمتحن النفوس و يبتليها.
فيظهر بهذا الامتحان طيبها من خبيثها ومن يصلح لمولاته وكراماته، ومن لا يصلح).
والنفس في الأصل جهولة ظالمة، وقد حصل لها بهذا الجهل والظلم أن امتلأت بالخبث.
ويحتاج ذاك الخبث إلى الخروج منها وتنقية النفس، فإن خرج في هذه الدار فهذا أفضل وأحسن، وإلا في قعر جهنم.
بمعنى أوضح فان هذب العبد نفسه ونقاها أذن الله له بدخول الجنة.
وفي كلام ابن القيم بيان وتوضيح:
فحتى يكون العبد أهلا ً لدخول الجنة فلابد أن ينقي تماماً من كل خبثه وذنوبه.
فكما يصفى الذهب ويخلص من شوائبه بالنار، فان النفوس تنقي وتصفى من خبثها وذنوبها بالابتلاءات.
فإن خلصت وذهب خبثها، كانت أهلا ً للجنة، وإن لم تتخلص من ما تسبب فيه ظلمها وجهلها.
أكمل متابعة نحن عباد الله فلما يبتلينا
فعندها يكون عذاب القبر، والذي يمكث فيه الإنسان ما كتب الله له أن يدخله، وعليه ذنوب.
وإلا في نار جهنم؛ إن لم يكفي عذاب القبر حتى يتخلص من كل ذنوبه، أعزنا الله من كل هذا.
والجدير بالذكر، أن هذه الدنيا هي دار شقاء وعناء وتكبد مشقة، وذلك معنى ولقد خلقنا الإنسان في كبد.
أي خلقنا الإنسان في دنيا مليئة بالكرب والابتلاءات، وفي حقيقة الأمر فان الابتلاء في حد ذاته خير من الله.
فإن الإنسان يبتلي تطهيراً لذنوبه في الدنيا تحديدا.
بدلاً من أن يلاقي الله بها في الآخرة ويعذب بها، ويلقى بها في نار جهنم.
أو في بعض الأحيان يجعل الله للعبد مكانة ً في الجنة، ولكن لا يصل العبد بعمله لها.
فعندها يبتليه الله، ويرزقه الصبر الجميل؛ حتى يبلغ ما كتبه الله له من مكانةً في الجنة.
بصبره على الابتلاء واحتسابه لوجه الله سبحانه.
يقول الله في هذا الشأن:
(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب).
قد يهمك: خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي
في نهاية مقالنا الذي تناولنا فيه شرح آية (ولقد خلقنا الانسان في كبد) للشعراوي، وكذلك تناولنا لما حفت الجنة بالمكاره، وأيضاً سيدنا محمد الأسوة الحسنة لنا في تكبد المشاق والعناء، وكذلك تناولنا إجابة سؤال نحن عباد الله فلما يبتلينا.
نرجو أن نكون قد قدمنا لكم محتوى مفيد وهادف، ونتمنى منكم نشر المقال على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لتعم الفائدة.