شعر أبي فراس الحمداني في الرثاء
شعر أبي فراس الحمداني في الرثاء، تعد قصيدة أبي فراس الحمداني أحد روائع الشعر العربي الذي يحرص موقع مقال maqall.net على تقديمها لكم عبر صفحاته، حيث جمعنا لكم اليوم أحد أجمل وأندر قصائد الشعر التي وجهت كلماتها إلى الأم ورثائها، والتي قد كتب أبياتها الشاعر الكبير الحمداني والذي قد لا يعلم البعض أنه كان فارس وعسكري ناجح بجانب كونه شاعر مخضرم، وكان ذو مكانة كبيرة لدى الخليفة العباسي المقتدر.
محتويات المقال
شعر أبي فراس الحمداني في الرثاء
هناك العديد من قصص وأشعار الرثاء التي ملأت الكتب على مر الأزمان، ومنها ما قالهـا الشاعر الكبير الشهير أبو فراس الحمـداني، وقد ذكر هذه الأبيات حين كان أسـيرا وتحديدا في القسطنطينيـة، وفي ذلك الوقت كانت أمـه والتي كانت جارية بيزنطية الأصل وتحررت من صك عبوديتها بعد ولادته بعيدة في الشام، وفي هذا الوقت قد بلغه وفاتها، فقال:
أَيا أمَّ الأَسيرِ سَقاكِ غَيثٌ.
بِكرهٍ مِنكِ ما لَقِيَ الأَسير.
أَيا أمَّ الأَسيرِ سَقاكِ غَيثٌ.
تَحَيَّرَ لايقيم وَلا يَسير.
أَيا أمَّ الأَسيرِ سَقاكِ غَيثٌ.
إِلى مَن بِالفِدا يَأتي البَشير.
أَيا أمَّ الأَسيرِ لِمَن ترَبّى.
وَقَد متِّ الذَوائِبَ وَالشعور.
إِذا اِبنكِ سارَ في بَرٍّ وَبَحرٍ.
فَمَن يَدعو لَه أَو يَستَجير.
حَرامٌ أَن يَبيتَ قَريرَ عَينٍ.
وَلؤمٌ أَن يلِمّ بِهِ السرور.
وَقَد ذقتِ الرَزايا وَالمَنايا.
وَلا وَلَدٌ لَدَيكِ وَلا عَشير.
وَغابَ حَبيب قَلبِكِ عَن مَكانٍ.
مَلائِكَة السَماءِ بِهِ حضور.
لِيَبكِكِ كلّ يَومٍ صمتِ فيهِ.
مصابَرَةً وَقَد حَمِيَ الهَجير.
لِيَبكِكِ كلَّ لَيلٍ قمتِ فيهِ.
إِلى أَن يَبتَدي الفَجر المنير.
لِيَبكِكِ كلَّ مضطَهَدٍ مَخوفٍ.
أَجَرتيهِ وَقَد عَزَّ المجير.
لِيَبكِكِ كلَّ مِسكينٍ فَقيرٍ.
أَغَثتيهِ وَما في العَظمِ زير.
أَيا أمّاه كَم هَمٍّ طَويلٍ.
مَضى بِكِ لَم يَكن مِنه نَصير.
أَيا أمّاه كَم سِرٍ مَصونٍ.
بِقَلبِكِ ماتَ لَيسَ لَه ظهور.
أَيا أمّاه كَم بشرى بِقربي.
أَتَتكِ وَدونَها الأَجَل القَصير.
إِلى مَن أَشتَكي وَلِمَن أناجي.
إِذا ضاقَت بِما فيها الصدور.
بِأَيِّ دعاءِ داعِيَةٍ أوَقّى.
بِأَيِّ ضِياءِ وَجهٍ أَستَنير.
بِمَن يستَدفَع القَدرَ الموَفّى.
بِمَن يستَفتَح الأَمر العَسير.
نسَلّى عَنكِ أَنّا عَن قَليلٍ.
إِلى ماصِرتِ في الأخرى نَصيرِ.
قصيدة مصابي جَليلٌ وَالعَزاء جَميل
على الرغم من الألام الذي شعر به الشاعر والفارس أبي فراس الحمداني من تخلي الكثيرين عنه، إلا أنه كان دائما يفتخر بأن سيف الدولة راضٍ عنه، وكان يقول أنه يكتفي بهذا، وكان يؤكد على أن علاقته به وطيدة متينة وهي أحب إليه من غيره، كما قال في أسره:
وَظَنّي بِأَنَّ اللَهَ سَوفَ يديل.
جِراحٌ تَحاماها الأساة مَخوفَةٌ.
وَسقمانِ بادٍ مِنهما وَدَخيل.
وَأَسرٌ أقاسيهِ وَلَيلٌ نجومه.
أَرى كلَّ شَيءٍ غَيرَهنَّ يَزول.
تَطول بِيَ الساعات وَهيَ قَصيرَةٌ.
وَفي كلِّ دَهرٍ لايَسرّكَ طول.
تَناسانِيَ الأَصحاب إِلّا عصَيبَةً.
سَتَلحَق بِالأخرى غَداً وَتَحول
وَمَن ذا الَّذي يَبقى عَلى العَهدِ إِنَّهم.
وَإِن كَثرَت دَعواهم لَقَليل.
أقَلِّب طَرفي لا أَرى غَيرَ صاحِبٍ.
يَميل مَعَ النَعماءِ حَيث تَميل.
وَصِرنا نَرى أَنَّ المتارِكَ محسِنٌ.
وَأَنَّ صَديقاً لايضِرّ خَليل.
أَكلّ خَليلٍ هَكَذا غَير منصِفٍ.
وَكلّ زَمانٍ بِالكِرامِ بَخيل.
نَعَم دَعَتِ الدنيا إِلى الغَدرِ دَعوَةً.
أَجابَ إِلَيها عالِمٌ وَجَهول.
وَفارَقَ عَمرو بن الزبَيرِ شَقيقه.
وَخَلّى أَميرَ المؤمِنينَ عَقيل.
فَيا حَسرَتا مَن لي بِخِلٍّ موافِقٍ.
أَقول بِشَجوي مَرَّةً وَيَقول.
وَإِنَّ وَراءَ السَترِ أمّاً بكاؤها.
عَلَيَّ وَإِن طالَ الزَمان طَويل.
فَيا أمَّتا لاتَعدَمي الصَبرَ إِنَّه.
إِلى الخَيرِ وَالنجحِ القَريبِ رَسول.
وَيا أمَّتا لاتخطِئي الأَجرَ إِنَّه.
عَلى قَدَرِ الصَبرِ الجَميلِ جَزيل.
أَما لَكِ في ذاتِ النِطاقَينِ أسوَةٌ.
بِمَكَّةَ وَالحَرب العَوان تَجول.
أَرادَ اِبنها أَخذَ الأَمانِ فَلَم تجِب.
وَتَعلَم عِلماً أَنَّه لَقَتيل.
تَأَسّي كَفاكِ اللَه ما تَحذَرينَه.
فَقَد غالَ هَذا الناس قَبلَكِ غول.
وَكوني كَما كانَت بِأحدٍ صَفِيَّةٌ.
وَلَم يشفَ مِنها بِالبكاءِ غَليل.
وَلَو رَدَّ يَوماً حَمزَةَ الخَيرِ حزنها.
إِذاً ما عَلَتها رَنَّةٌ وَعَويل.
لَقيت نجومَ الأفقِ وَهيَ صَوارِمٌ.
وَخضت سَوادَ اللَيلِ وَهوَ خيول.
وَلَم أَرعَ لِلنَفسِ الكَريمَةِ خِلَّةً.
عَشِيَّةَ لَم يَعطِف عَلَيَّ خَليل.
وَلَكِن لَقيت المَوتَ حَتّى تَرَكتها.
وَفيها وَفي حَدِّ الحسامِ فلول.
وَمَن لَم يوَقِّ اللَه فَهوَ ممَزَّقٌ.
وَمَن لَم يعِزِّ اللَه فَهوَ ذَليل.
وَما لَم يرِده اللَه في الأَمرِ كلِّهِ.
فَلَيسَ لِمَخلوقٍ إِلَيهِ سَبيل.
كما يمكنكم الاطلاع على: أبيات من شعر الرثاء في العصر الجاهلي
قصيدة أَبنَيَّتي لاتَحزَني
في هذه القصيدة كان أبي فراس الحمداني يعزي والدته ويصبرها ويقوي نفسه على مرارة السجن والأسر، ويذكر نفسه بالجلد وبثقته في نصر الله، كما يدعو والدته إلى الصبر وهو العزاء الوحيد لهما في هذه المحنة:
كلّ الأَنامِ إِلى ذَهابِ.
أَبنَيَّتي صَبراً جَميل.
لاً لِلجَليلِ مِنَ المصابِ.
نوحي عَلَيَّ بِحَسرَةٍ.
مِن خَلفِ سِترِكِ وَالحِجابِ.
قولي إِذا نادَيتِني.
وَعَيَيتِ عَن رَدِّ الجَوابِ.
زَين الشَبابِ أَبو فِرا.
سٍ لَم يمَتَّع بِالشَبابِ.
اقرأ أيضا: اجمل بيت شعر في العالم
قصيدة أراك عصي الدمع
هذه القصيدة تعد إحدى أشهر ما دون وكتب الشاعر والفارس أبو فراس، حيث كتبها لابن عمه سيف الدولة يشكو له الأسر ومرارته، كما زاد أبياته الشوق والفخر، ثم ذكره أيضا ببطولاته في المعارك وقوته بين قومه وقدرته على التصدي للغريب، فقال:
أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتكَ الصَّبْر .. أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ و لا أمْر؟.
بلى، أنا مشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ .. ولكنَّ مِثْلي لا يذاع له سِرّ.
إذا اللّيل أَضْواني بَسَطْت يَدَ الهوى .. وأذْلَلْت دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْر.
تَكاد تضِيْء النار بين جَوانِحي .. إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَة والفِكْر.
معَلِّلَتي بالوَصْلِ، والمَوت دونَه .. إذا مِتّ ظَمْآناً فلا نَزَلَ القَطْر.
حَفِظْت وَضَيَّعْتِ المَوَدَّةَ بيْننا .. وأحْسَن من بعضِ الوَفاءِ لكِ العذْر.
وما هذه الأيام إلاّ صَحائفٌ .. لأحْرفِها من كَفِّ كاتِبِها بِشْر.
تَروغ إلى الواشينَ فيَّ، وإنَّ لي .. لأذْناً بها عن كلِّ واشِيَةٍ وَقْر.
بَدَوْت، وأهلي حاضِرونَ، لأنّني .. أرى أنَّ داراً، لستِ من أهلِها، قَفْر.
يَمنّونَ أن خَلّوا ثِيابي، وإنّما .. عليَّ ثِيابٌ، من دِمائِهِم حمْر.
وقائِم سَيْفٍ فيهِم انْدَقَّ نَصْله .. وأعْقاب رمْحٍ فيهم حطِّمَ الصَّدْر.
سَيَذْكرني قومي إذا جَدَّ جِدّهمْ .. وفي اللّيلةِ الظَّلْماءِ يفْتَقَد البَدْر.
فإنْ عِشْت فالطِّعْن الذي يَعْرِفونَه .. وتِلْكَ القَنا والبيض والضّمَّر الشّقْر.
وإنْ متّ فالإنْسان لابدَّ مَيِّتٌ .. وإنْ طالَتِ الأيام، وانْفَسَحَ العمْر.
ولو سَدَّ غيري ما سَدَدْت اكْتَفوا .. بوما كان يَغْلو التِّبْر لو نَفَقَ الصّفْر.
ونَحْن أناسٌ، لا تَوَسّطَ عندنا .. لنا الصَّدْر دونَ العالمينَ أو القَبْر.
تهون علينا في المعالي نفوس .. ومن خَطَبَ الحَسْناءَ لم يغْلِها المَهْر.
أعَزّ بَني الدّنيا وأعْلى ذَوي العلا .. وأكْرَم مَنْ فَوقَ التّرابِ ولا فَخْر.
فإنْ يك ما قال الوشاة ولمْ يَكنْ .. فقدْ يَهْدِم الإيمان ما شَيَّدَ الكفر.
الشاعر أبو فراس الحكم
عندما شعر أبي فراس بتخلي الناس عنه في محنته، وأنه لم يمد أحد يده للمساعدة وفك قيد اسره، انقطعت ثقته بالجميع، وتذكر ما قدم من جميل للغير وهو عندما سقط لم يلقَ له مقابلاً، فقال:
أمَا لِجَمِيلٍ عِنْدَكنّ ثَوَاب .. وَلا لِمسِيء عِنْدَكنّ مَتَاب؟
لَقَد ضَلّ مَنْ تَحوِي هوَاه خَرِيدة .. وقدْ ذلَّ منْ تقضي عليهِ كعاب.
ولكنني – والحمد للهِ .. حازمٌ أعز إذا ذلتْ لهنَّ رقاب.
وَألْحَظ أحوَالَ الزّمَانِ بِمقْلَة .. بها الصدق صدقٌ والكذاب كذاب.
بِمَنْ يَثِق الإنْسَان فِيمَا يَنوبه .. وَمِنْ أينَ للحرّ الكَرِيمِ صِحَاب؟
وَقَدْ صَارَ هَذَا النّاس إلاّ أقَلَّهمْ .. ذئاباً على أجسادهنَّ ثياب.
فكيفَ وفيما بيننا ملك قيصرٍ .. وَللبَحْرِ حَوْلي زَخْرَة وَعبَاب.
أمنْ بعدِ بذلِ النفسِ فيما تريده .. أثَاب بِمرّ العَتْبِ حِينَ أثَاب؟
فَلَيْتَكَ تَحْلو، وَالحَيَاة مَرِيرَة .. وَلَيْتَكَ تَرْضَى وَالأَنَام غِضَاب.
وَلَيْتَ الّذي بَيْني وَبَيْنَكَ عَامِرٌ .. وبيني وبينَ العالمينَ خراب.
إذا صَحَّ منك الودّ فالكل هَيِّنٌ .. وكل الذي فَوقَ الترابِ ترابِ.
كما أدعوك للتعرف على: أبيات شعر عن الصبر
على الرغم من فرحة أبي فراس الحمداني بأنه أنتهى من الاسر وفك قيده، وتوليه ولاية حمص، إلا أن سعادته لم تدم طويلا، حيث أنه قد توفى ابن عمه سيف الدولة في نفس العام، وترك الولاية لابنه الصغير الذي كثرت المكائد من حوله وعلى رأسهم قرغوية الذي حاربه الحمداني بنفسه، وقتل في هذه المعركة وكان ذلك عام 968م، ليترك من خلف حياة مليئة بذكرياته وفروسيته بجانب اشعاره التي خلدت حتى الآن.