قصائد صوفية في مدح الرسول
منذ بعثة الرسول محمد عليه السلام انبرى عدد من الشعراء بنظم شعر المديح بحق النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلّ أشهر من مدح الرسول هو الصحابي حسان بن ثابت (شاعر الرسول).
وبعد وفاته عليه السلام ظهر نوع جديد من شعر المديح هو الشعر الصوفي، حيث سنتحدث في هذا المقال عن قصائد صوفية في مدح الرسول تحديدا.
محتويات المقال
إحدى قصائد حسان بن ثابت في مدح النبي
لقد سالت قريحة حسان بن ثابت رضي الله عنه في مدح النبي عليه السلام حتى حبّر الحروف تحبيرًا.
كما من بين أجمل ما قال:
محمد المبعوث للناس رحمة
يشيد ما أوهى الضلال ويصلح
لأن سبحت صم الجبال مجيبة
لداوود أو لان الحديد المصفح
فإن الصخور الصم لانت بكفه
وإن الحصى في كفه ليسبح
وإن كان موسى أنبع الماء بالعصا
فمن كفه قد أصبح الماء يطفح
وإن كانت الريح الرخاء مطيعة
سليمان لا تألو تروح وتسرح
فإن الصبا كانت لنصر نبينا
ورعب على شهر به الخصم يكلح
وإن أوتي الملك العظيم وسخرت
له الجن تسعى في رضاه وتكدح
فإن مفاتيح الكنوز بأسرها
أتته فرد الزاهد المترجح
وإن كان إبراهيم أعطي خلة
وموسى بتكليم على الطور يمنح
فهذا حبيب بل خليل مكلم
وخصص بالرؤيا وبالحق أشرح
وخصص بالحوض الرواء وباللوا
ويشفع للعاصين والنار تلفح
وبالمقعد الأعلى المقرب ناله
عطاء لعينيه أقر وأفرح
شاهد أيضا: أقوال جلال الدين الرومي في الحب
قصائد صوفية في مدح الرسول (قصيدة ابن الفارض)
يعتبر الأدب الصوفي من أرقّ ما قيل في حبِّ الله ورسوله تحديدا.
ولكن قد يؤخذ عليه المغالاة والتطرف في العشق أيضا.
كما من أروع ما قيل من الشعر الصوفي هذه القصيدة لابن الفارض:
في كل فاتحة للقول معتبرة
حق الثناء على المبعوث بالبقرة
في آل عمران قدما شاع مبعثه
رجالهم والنساء استوضحوا خبره
من مد للناس من نعماه مائدة
عمت فليست على الأنعام مقتصره
أعراف نعماه ما حل الرجاء بها
إلا وأنفال ذاك الجود مبتدرة
به توسل إذ نادى بتوبته في البحر
يونس والظلماء معتكرة
هود ويوسف كم خوف به امنا
ولن يروع صوت الرعد من ذكره
مضمون دعوة إبراهيم كان وفي
بيت الإله وفي الحجر التمس أثره
ذو أمة كدوي النحل ذكرهم
في كل قطر فسبحان الذي فطره
بكهف رحماه قد لاذ الورى وبه
بشرى ابن مريم في الإنجيل مشتهره
سماه طه وحض الأنبياء على
حج المكان الذي من أجله عمره
قد افلح الناس بالنور الذي عمروا
من نور فرقانه لما جلا غرره
قصائد صوفية في مدح الرسول (قصيدة ابن الخياط)
كما يعتبر الشاعر ابن الخياط من شعراء المتصوفة المفوهين.
ومن بين أجمل ما كتب تحديدا:
كلُّ القُلوبِ إلىَ الحبيبِ تَمِيْلُ وَمعَي بِهـَذَا شـاهدٌ وَدَلِيِلُ
أَمَّا الدَّلِيِلُ إذَا ذَكرتَ محمدًا فَتَرَى دمُوعَ العَارِفِيْنَ تسيلُ
هَذا مَقالي فِيْكَ يَا شَرَفَ الورى وَمَدحِي فِيكَ يَا رسولَ اللهِ قَلِيْلُ
هَذَا رَسُــولُ اللهِ هذا المُصْطفى هَذَا لِرَبِ العالمينَ رَسُولُ
إِنْ صادَفَتْنِيِ مِنْ لَدنْكَ عِنَايَةٌ لِأَزُوُرَ طَيْبَةَ والنَّخِيل جَمِيْلُ
يَا سَيِّدَ الكَوْنينِ يَا عَلمَ الهُدىَ هَذَا المُتيَمُ فيِ حِماكَ نَزِيلُ
هَذا النبيُّ الْهَاَشِميُ محَمَّدٌ هَذا لكلِّ العالمينَ رَسُولُ
هَذا الـذي رَدَّ العُـُيونَ بِكَفِّهِ لمَّاَ بَدَتْ فَوْقَ الخُدَودِ تَسِيلُ
يـَا رَبِّ إِنِّيِ قَـْد مَدَحْـتُ محَمَّدًا فِيِهِ ثَوَابِيِ وَلِلْمَدِيِــحِ جَزِيـِلُ
صَلَّىَ عَلَيْكَ اللهُ يَا عَلَمَ الْهُدَىَ مَاَ لَاحَ بَدْرٌ فِيِ السَّمَاَءِ دَلِيِلُ
صَلَّىَ عَلَيْكَ اللهُ يَاَ عَـلَمَ الهُدَىَ مَاَ حَنَّ مشتَاقٌ وَساَرَ جَمِيْلُ
هَذَا رَسَولُ اللهِ نِبْرَاسَ الهُدَىَ هَذَا لكلِّ العالمينَ رَسُـولُ
اقرأ أيضًا: معلومات عن تميم البرغوثي قصائده
قصائد صوفية في مدح الرسول (قصيدة البوصيري)
يعتبر البوصيري من أفحل شعراء المتصوفة، كما له في مدح الرسول قصائد خالدة، ومن بين أجمل ما قال:
القصيدة الأولى
كيف ترقَى رُقِيَّك الأَنبياءُ يا سماءً ما طاوَلَتْها سماءُ
لَمْ يُساوُوك في عُلاكَ وَقَدْ حالَ سناً مِنك دونَهم وسَناءُ
إنّما مَثَّلُوا صِفاتِك للناس كما مثَّلَ النجومَ الماءُ
أنتَ مِصباحُ كلِّ فضلٍ فما تَص دُرُ إلا عن ضوئِكَ الأَضواءُ
لكَ ذاتُ العلومِ من عالِمِ الغَيبِ ومنها لآدمَ الأَسماءُ
لم تَزَلْ في ضمائرِ الكونِ تُختَارُ لك الأُمهاتُ والآباءُ
ما مضتْ فَترةٌ من الرُّسْلِ إِلّا بَشَّرَتْ قومَها بِكَ الأَنبياءُ
تتباهَى بِكَ العصورُ وَتَسْمو بِكَ علْياءٌ بعدَها علياءُ
وَبَدا للوُجُودِ منك كريمٌ من كريمٍ آبَاؤُه كُرماءُ
نَسَبٌ تَحسِبُ العُلا بِحُلاهُ قَلَّدَتْهَا نجومهَا الْجَوزاءُ
حبذا عِقْدُ سُؤْدُدٍ وَفَخَارٍ أنتَ فيه اليتيمةُ العصماءُ
وُمُحَيّاً كالشَّمس منكَ مُضِيءٌ أسْفَرَت عنه ليلةٌ غَرّاءُ
ليلةُ المولدِ الذي كَان للدِّينِ سرورٌ بيومِهِ وازْدِهاءُ
وتوالَتْ بُشْرَى الهواتفِ أن قدْ وُلِدَ المصطفى وحُقّ الهَناءُ
وتَدَاعَى إيوانُ كِسْرَى ولَوْلا آيةٌ مِنكَ ما تَدَاعَى البناءُ
وغَدَا كلُّ بيتِ نارٍ وفيهِ كُرْبَةٌ مِنْ خُمودِها وَبلاءُ
القصيدة الثانية
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ وَتُغْتَفَرُ الخطايا وَالذُّنوبُ
وَأَرْجُو أن أعِيشَ به سعيداً وَأَلقاهُ وَليس عَلَيَّ حُوبُ
نبيٌّ كامل الأوصافِ تَمَّتْ محاسِنُه فقيل له الحبيبُ
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ
مدائحُه تَزيدُ القَلْبَ شَوْقاً إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ
وَأَذْكُرُهُ وَلَيْلُ الخَطْبِ داجٍ عَلَيَّ فَتَنْجَلِي عني الخُطوبُ
وَصَفْتُ شمائلاً منه حِسَاناً فما أدري أمدحٌ أمْ نَسيبُ
وَمَنْ لي أنْ أرى منه محَيّاً يسَر بحسنِهِ القلْب الكئِيب
كأنَّ حديثَه زَهْر نَضِير وَحاملَ زَهْرِهِ غصْن رَطيب
ولِي طَرْفٌ لِمَرْآهُ مَشوقٌ وَلِي قلبٌ لِذِكْراهُ طَرُوبُ
تَبَوَّأَ قابَ قوْسَيْنِ اخْتصاصاً وَلا وَاشٍ هناكَ وَلا رقيبُ
مَناصِبُه السَّنِيَّةُ ليسَ فيها لإِنسانٍ وَلا مَلَكٍ نَصِيبُ
رَحِيبُ الصَّدْرِ ضاقَ الكَوْنُ عما تَضَمَّنَ ذلك الصدْرُ الرحيبُ
قصائد صوفية في مدح الرسول للمتأخرين
يعرّف التصوف تحديدا بأنه شدة الحبّ لله والفناء به ومطلق الشوق له.
كما أن هذا الحب والعشق منزّهٌ عن كل مكسب دنيوي.
فالمطلب الوحيد للمتصوف هو الوصول لله تحديدا.
كذلك مهما كلفه من زهدٍ مطلق وفناءٍ عام.
وقد قال المتصوفة في العشقِ الإلهي أشعارٌ لم يسمع أرقُّ منها، ومن بينها هذه القصائد تحديدا:
القصيدة الأولى
والله ما طلعتْ شمسٌ ولا غربت إلا و حبّـكَ مقـرونٌ بأنفاسي
ولا خلوتُ إلى قومٍ أحدّثهــمْ إلا وأنت حديثي بين جلاسِي
ولا ذكرتك محزونًا ولا فَرِحًا إلا وأنت بقلبي بين وسواسي
لا هممتُ بشربِ الماء من عطشٍ إلا رَأَيْتُ خيالًا منك في الكاْسِ
ولو قدرتُ على الإتيان جئتُكم سعيًا على الوجهِ أو مشيًا على الرَّاْسِ
ويا فتى الحيّ إن غّنيت لي طربًا فغَنّني أسفًا من قلبك القاسِي
ما لي وللنَّاس كم يلحوننِي سفهًا دينِي لنفسي ودينُ النَّاس للنَّاسِ
القصيدة الثانية
وقد كان قلبي خاليًا قبل حبكم وكان بذكر الخلق يلهو ويمزحُ
فلمَّا دعا قلبي هواك أجابه فلستُ أراه عن فنائك يبرحُ
رميت ببينٍ منكَ إن كنت كاذبًا إذا كنت في الدنيا بغيرك أفرح
وإن كان شيءٌ في البلاد بأسرها إذا غبت عن عيني بعيني يلمحُ
فإن شئت واصلْني وإن شئتَ لا تصلْ فلستُ أرى قلبي لغيرك يصلحُ
القصيدة الثالثة
يا نسيم الرُّوح قولي للرَّشَا لم يزدنِي الـِورْد إلا عطشَا
لي حبيبٌ حبّه وسط الحشَا إن يشَا يمشي على خدّي مشَى
روحه روحِي وروحِي روحُهُ إن يشا شئتُ وإن شئتُ يشَا…
شاهد من هنا أيضا: قصائد احمد شوقي كاملة
وبالتالي نرى أن التصوف في الحضارة الإسلامية يمثل ثقافةٌ مستقلةٌ لها فكرها ومنهاج عملها ومنظِّروها وشعرائها، وأكبر دليل على ذلك قصائد صوفية في مدح الرسول حيث قمنا بالحديث عن ذلك في هذا المقال.