ما هي الكبائر التي لا تُغفر؟
ما هي الكبائر التي لا تُغفر؟ يحرص المسلم دائمًا على فعل ما يُرضي الله، وأن يتجنب الآثام والمعاصي، لأنه يسعى ويجاهد لكي ينال رضا الله، ويفوز بجنته، وقد يتعرض الإنسان في حياته لفتن ظاهرة وباطنة، وتحديات كثيرة، قد تؤدي به في لحظات الضعف إلى الوقوع في المحرمات والكبائر، وقد بين لنا الله في كثير من آياته أن رحمته واسعة، وأنه هو الغفور الرحيم، وأنه يغفر الذنوب جمعيًا، إلا الكبائر ومنها الشرك بالله فهذا الذنب عظيم لا يغفره الله أبدًا، وسوف نتحدث في هذا المقال عن الكبائر التي لا تُغفر.
محتويات المقال
أولًا: الشرك بالله
هو مصطلح يدل على أنك تعبد مع الله إلهًا آخر، أي تجعل له شريكًا في الملك، وهذا في الدين الإسلامي من أكبر الكبائر التي لا تغفر، ويُسمى صاحبه مشركًا بالله، ومن يتخذ مع الله إله آخر فهو كافر، ومعنى الكفر هنا: هو الجحود والتكذيب بوحدانية الله، سنوضح فيما يلي الفرق بين الشرك والكفر.
الفرق بين الشرك والكفر
الشرك لغة: معناه المقارنة، أي مقارنة بين اثنين ولا ينفرد به أحد دون الآخر.
أمّا الكُفر لغة: معناه الستر والتغطية، أي تغطية الحق، والجحود بنعم الله وسترها، والكُفر ضد الإيمان.
أمّا تعريفهم من حيث الشرع فهما بمعنى واحد لقوله تعالى: وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا.
شاهد أيضًا: دعاء التوبة من الكبائر إلى الله مكتوب
التحذير من الشرك
يوجد في كتاب الله تعالى آيات كثيرة تحذرنا من الشرك، وكذلك في السنة النبوية، منهما:
- يقول تعالى «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ»
- «يقول تعالى إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ»
- يقول تعالى «إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»
- وعن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (ألا أُنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله).
أنواع الشرك
ينقسم الشرك إلى نوعين، شرك أكبر، وشرك أصغر.
الشرك الأكبر:
وهو العبادة كُليًّا لغير الله، وارتباط الربوبية بشيء غير الله، وهذا النوع يعتبر خارج عن الإسلام، وعقاب هذا النوع من الشرك هو النار الخالدة، إن مات على ذلك.
الشرك الأصغر:
وهو أيضًا من أنواع الشرك، لكنه ليس كالشرك الأكبر، ولكن التمادي فيه قد يؤدي بك إلى الشرك الأكبر، إذًا ما هو الشرك الأصغر؟ هو أنك توحد الله تعالى ولا تنكر وجوده وتؤمن بشرائعه، ولكن تفعل ما نهى الله عنه وحذّر منه، كالربا، أو العبادة من أجل كسب المال، عدم التوكل على الله والأخذ بالأسباب، التطير، التكبر، سب الدهر، هذا النوع من الشرك يكون في الأفعال والأقوال، وعقاب الشرك الأصغر هو النار ولكنه لا يكون خالدًا فيها، ويعامل معاملة المسلمين عند موته.
ثانيًا: السحر
السحر هو مصطلح يستخدم لوصف فعالية تعمل على تغيير حالة شخص ما أو شيء ما دون خرق القوانين، فالسحر عبارة عن طلاسم وتعاويذ وأفعال يفعلها الساحر أو يكتبها، يؤثر من خلالها على بدن الشخص المسحور أو عقله وقلبه من غير مقابلته، وقد يؤدي به هذا السحر إلى القتل أو المرض أو التفرقة بين الأزواج،
السحر في الشرع يدل على كل ما خفي سببه وظهر أثره، والتخيل من غير حقيقة، فهو من أكبر الذنوب التي يبغضها الله سبحانه وتعالى، حيث يُعد السحر من أكبر الكبائر بعد الإشراك بالله، ومن يفعله يرتكب ذنبًا وإثمًا عظيمًا جدًا، حيث إنه عند اللجوء للسحر يتصل بالشياطين ويتقرب منهم وكذلك الساحر، وهي من الأمور التي حذرنا عنها رسولنا الكريم ومنعنا من الاقتراب إليها، ومن الأحاديث الشريفة التي أكدت ذلك، عن أبى هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله يقول(من أتى ساحرًا أو كاهنًا فصدّقه بما يقولُ أو أتى حائضًا أو امرأة في دبرها فقد كفر بما نزل على محمد)
وقد أجمع العلماء وأهل العلم على أن من تعامل بالسحر أو تعلمه فهو كافر وعقوبته القتل، لقوله تعالى:
(واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنةٌ فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون)
ثالثًا: قتل النفس التي حرمها الله
حذرنا الله سبحانه وتعالى من انتهاك حرماته وعدم التعدي عليها، وجعل القتل من أكبر الكبائر سواء بقتل الإنسان نفسه أو قتله غيره، وإذا فعل هذه الفاحشة وجب إقامة الحد عليه، يقول الله تعالى في كتابه الكريم (ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم خالدًا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابًا عظيمًا)
خلق الله الإنسان وكرّمه ومنحه الحياة وأعطاه حق العيش فيها، فلا يحل لك استباحة دمه، أو انتهاك حقه، يقول تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق)، لذلك يتوعد الله لكل من تسول له نفسه بقتل غيره أو قتل نفسه بالعذاب الشديد، لأنك بفعلتك هذه تزهق نفس إنسانية وهي من خلق الله وبذلك تتعدى على حُرمات الله، وعقوبة القتل هي القصاص في الدنيا قبل الآخرة.
شاهد أيضًا: الكبائر السبع المذكورة في القراّن والسنة
رابعًا: الربا
الربا في الشرع هي الزيادة في أنواع من المعاوضات، أو تأخير في العوضين، والربا هي الزيادة المشروطة المقدمة على رأس المال بمقابل، وهي من الأفعال التي تبغضها الشريعة الإسلامية، حيث يعدها الإسلام من كبائر الذنوب، لأنها من أنواع الاستغلال تتم بظلم مضاف للأعمال التجارية، وقد ورد في القرآن دليل على حرمانيه الربا، يقول الله تعالى:
- (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ ۖ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ)
- (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ ۚ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)
- (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)
وبعد هذه الأدلة اتضح لنا أن الربا من الكبائر التي يجب إقامة الحد على فاعلها.
خامسًا: أكل مال اليتيم
لا يجوز لك القُرب من مال اليتيم ولا الطمع فيه ولا الإساءة إليه إلا بالتي هي أحسن، وذلك بالتصرف في أمواله بالتجارة أو تنميتها له ونصحه حتى يبلغ أشده ويصبح رشيدّا، لقول الله تعالى( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشدَّهُ)، فأكل مال اليتيم من السبع الموبقات، فمن كان لديه يتيم أو يتيمة فليتقي الله في أمرهما، وأن يحسن إليهما ويتولى أمرهما، وعليه أن يجتهد في تنمية أموالهم، وألا يسرقهم ويطمع في أموالهم، لأن هذه الأموال التي يأخذها منهم دون وجه حق ستمنعه من رغد العيش وسوف تنزل في بطنه كالنار، لقول الله تعالى( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظُلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسَيُصلون سعيرًا)
سادسًا: التولي يوم الزحف
التولي يوم الزحف أي الفرار من الحرب أو المعركة، وهو من الأشياء التي حرمها الله وأيضًا من السبع الموبقات، لأن الفرار من المعركة يؤدي إلى الهزيمة، والثبات يؤدي إلى نصرة الدين وحمايته وقوة دفاعه، بدليل قول الله تعالى (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
وأيضًا قول الله تعالى (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ)
لذلك اتفق العلماء وجميع المسلمين على أن التولي يوم الزحف جريمة من أخطر الجرائم من المنظور الشرعي، التي يتجرأ فيها الشخص على الله، حيث يتوعد الله لمن فرّ وهرب من غير جواز ذلك له بالعذاب الأليم.
سابعًا: قذف المحصنات الغافلات
المحصنات المؤمنات الغافلات وَهُنَّ البريئات العفيفات اللاتي لم يقمن بفعل أي فاحشة ولم يكن لديهم نية مسبقة لحدوث ذلك، فقد قال الله جل جلاله في كتابه العزيز (والذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُم لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون).
وكما ذكر في الآية الكريمة يتوعد الله كلٌّ من تُسول لهُ نفسه ويفعل تلك الفاحشة، لأنه بذلك يهتك عرضها، وهذا غير مقبول في الدين الإسلامي، كما قال رسولنا الكريم (فإن دماءكُم، وأموالكم، وأعراضكم، بينكم حرام، كحُرمةِ يومِكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا) حيث إن قذف المحصنات من أبشع وأشنع الذنوب وأبلغها، لما يصيب المقذوف من ضرر، وأن ذلك يؤدي إلى الشك في الأنساب، لذلك الإسلام وضع عقوبة شديدة لمن يرمي المحصنات ولم يأتي بأربعة شهداء عدول يؤكدون كلامه، وهم ثلاثة أحكام، أولهم جلده ثمانين جلدة، ثانيهم عدم قبول شهادتهم أبدًا، ثالثهم أن يكون فاسقًا ليس عادلًا.
إلى هنا نكون قد تحدثنا عن السبع الموبقات التي حذرنا منهم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم في الحديث (اجتنبوا السبع الموبقات، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).
شاهد أيضًا: ما هي أكبر الكبائر بالترتيب وطريقة التكفير عنها؟
ونرجو أن نكون قد أفدناكم عن الكبائر التي لا تُغفر، إذا أعجبكم هذا المقال نرجو منكم مشاركته مع أصدقائكم حتى لا يقعوا في تلك الكبائر لا قدر الله.